هذا الكتاب الذي بين يدينا للأديب الصحفي أنيس منصور نستطيع أن نصنفه تحت بند الرواية وبطل هذه الرواية طبيب نفسي وهو في نفس الوقت مريض نفسي يتعدى الخمسين من العمر وهو يذهب يوميا إلى عيادته بكامل أناقته منتظرا المرضى الذين لا يأتون والعامل الذي لم يعد هناك والطبيب صلاح يعالج هؤلاء المرضى الوهميين وكما يعالجهم فإنه يعالج نفسه .. فهو يعيش كل حياته في الوهم .. حتى أن الأطباء الذين يعالجونه عبارة عن مجموعة من الأطباء الوهميون في ذهنه .. كان الدكتور صلاح نور الدين طفلا صغيرا حين تسببت جدته في مرضه النفسي فكانت تضربه دائما وبشدة .. بسبب وبدون سبب .. وكانت أمه تغلق على نفسها باب غرفتها وتبكي.. ويقول أنيس منصور أن الماضى لا يموت بل هو عبارة عن مسلسل دائم العرض نستحضره في أى وقت لنعيش الزمن الذي عشناه مرات ومرات .. والمجنون هو الذي يدفن نفسه في ماضيه .. وهذا ما يحدث غالبا للمرضى النفسيين الذين يحبسون أنفسهم في الماضي مثل بطل هذه الرواية الطبيب النفسي صلاح نور الدين. الذي مضى من الزمن لا يمضي.. يبقى هناك في مكان م العقل.. ويمكن استدعائه والنظر إليه بنشوة أو بقرف.. وكل ماضي.. يمضي ناحية ولا يمضي من ناحية أخرى.. فالماضي يمضي ويعود بل دائماً يعود.. الذكريات الحلوة.. والذكريات الأليمة كلها أفلام يديرها العقل من أولها ومن آخرها.. ونتدخل في إخفائها وتعديلها.. ويكون التعديل نوعاً من الندم على ما حدث.. أو الندم على أنه لم يحدث بالصورة التي بدت بعد ذلك أنها صحيحة.. ولكن الماضي لا يمكن تغييره.. ما حدث لنا فقد حدث.. ويجمد وانتهى.