كتاب التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

كتاب التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

[userpro_bookmark][userpro_bookmark]

Free shipping on orders over $50!

  • ضمان استرداد الأموال بدون أي مخاطرة!

الوصف

كتاب التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

مقدمة الكتاب   :الحمد لله حمداً كثيراً كما يحب ويرضى، والصلاة والسلام عل?? نبيه محمد× وأصحابه والتابعين.وكذلك: مسألة خطاب الله وكلامه، وهي قاعدة في صفات الله، عظيمة، والغلط والاضطراب على أهل الأصول غالب فيها.كتاب “التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول”، هذه تعليقات جليلة، وحاشية ذات قدر وفضيلة، جمعتها من كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني _ وهو أحمد بن حنبل الثاني _ على مختصر في الأصول معتمد، وهو «منهاج الوصول» للقاضي البيضاوي، وهو كتاب ذو شروح وحواش؛ بل إن من المعلوم أن اعتماد المتأخرين يكاد يقتصر على مصنفين: «منهاج الوصول» _ هذا _، و«مختصر ابن الحاجب».ولهذه الحاشية قصة ومناسبة:وذلك أنني كنت أطالع «منهاج الوصول»، وشرحه للإسنوي مع حاشية المطيعي مطالعة دقيقة، وذلك بقراءته جملة جملة، وتفسير كل جملة، والوقوف عليها، وتلخيص شرحها، وجعلت ذلك وظيفة يومية.ومن نعم الله التي لا تحصى أنني في تلك المدة توجهت شطر مصنفات شيخ الإسلام توجهاً كليًّا، فكنت أجد له تعليقاً مهمًّا على مواضع من أقوال الأصوليين.ولما رأيت ذلك الأمر متكرراً؛ أحببت جمعه في مكان واحد؛ تقريباً وتيسيراً ونصحاً، واخترت أهم التعليقات، ولم أقصد جمع كل ما قال شيخ الإسلام في أصول الفقه، أو أشار؛ بل هي تعليقات على مواضع خاصة غمر فيها القول الحق، أو غاب، فأذكر ما بين شيخ الإسلام أنه الأولى بالشهرة، والصواب من الأقوال.وأخص تعليقه على تبخيس الأدلة السمعية في جعل الفقه من باب الظنون تمجيداً للأدلة العقلية، وعلم الكلام المزعوم المذموم.وأيضاً: تعليقه على مسألة التحسين والتقبيح، وهي من المسائل العظام.وأيضاً: تحقيقه في مسألة الحقيقة والمجاز، وتصويب المجتهدين وتخطئتهم، وعدد من المسائل على نسق ما تقدم من الأمثلة والمواضع التي اشتكى شيخ الإسلام كتب الأصول فيها؛ حيث يذكرون في المسألة قولين أو ثلاثة، وأما القول الحق المشهور؛ فلا يذكرونه:قال _ رحمه الله _ «مجموع الفتاوى» (17/102).: «فإن كثيراً من الناس يقرأ كتباً مصنفة في أصول الدين وأصول الفقه؛ بل في تفسير القرآن والحديث، ولا يجد فيها القول الموافق للكتاب والسنة الذي عليه سلف الأمة وأئمتها، وهو الموافق لصحيح المنقول وصريح المعقول؛ بل يجد أقوالاً كل منها فيه نوع من الفساد والتناقض، فيحار: ما الذي يؤمن به في هذا الباب؟ وما الذي جاء به الرسول؟ وما هو الحق والصدق؟ إذ لم يجد في تلك الأقوال ما يحصل به ذلك، وإنما الهدى فيما جاء به الرسول الذي قال الله فيه: ({وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاء مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ??ا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)}) » اهـ.وقد استحسن بعض الناصحين من طلبة العلم أن أطبع الحاشية التيمية مع شرح «المنهاج» الذي كنت قد جمعته في أوقات متعددة مدة سنين، وجعلته شرحاً مختصراً محققاً قدر ᄃلإمكان، واستفدت من حاشية المطيعي على شرح الإسنوي كثيراً، ولم أغفل فوائد من سائر الكتب والشروح قاصداً بذلك تقريب الفائدة من هذا المختصر للطلاب.ولعل الله أن يوفقني إلى مختصر في أصول الفقه مهذباً جامعاً نافعاً أقصى النفع للراغبين، وإن تسهيل العلم للطلبة وتقريبه لهم من أعظم القربات، كيف وهو تصديق لقوله _ تعالى _: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)؟!وختاماً: فهذا شرح «منهاج الأصول» ومعه التحقيقات المهمة لشيخ الإسلام عسى أن يعم النفع به، وأن يكون ذلك لي سبباً إلى مرضاة الله، إنه نعم المولى ونعم النصيᄆ، والحمد لله رب العالمين.  

(1) هل الفقه من باب الظنون؟

قال البيضاوي: «والفقه: العلم بالأحكام الشرعية العملية، المكتسب من أدلتها التفصيلية، قيل: الفقه من باب الظنون، قلنا: المجتهد إذا ظن الحكم؛ وجب عليه الفتوى والعمل به؛ للدليل القاطع على وجوب اتباع الظن، فالحكم مقطوع به، والظن في طريقه».أقول: هذا تعريف للفقه بأنه العلم بالأحكام، ثم اعتراض على تعريف الفقه بأنه علم؛ لأن الفقه ظن، ثم سلم البيضاوي أن الفقه من باب الظنون، وقال: «إن الفقيه إذا وجد الظن في مسألة؛ فالدليل القاطع دل على وجوب عمله به، وأيًّا كان الجواب؛ فإنه لا يخرج عن التسليم بأن الفقه ظن من الظنون».وشيخ الإسلام بين أن تسمية الفقه ظنًّا خطأ، وأن الغالب على المسائل الفقهية أنها معلوナة، أو أنه يمكن تحصيل العلم بها؛ فهي إما معلومة، وإما يمكن أن نحصل العلم بها غالباً.وهذا تحقيق نقله في كتاب «الاستقامة» في التعليق على هذه المسألة:قال _ رحمه الله _ «الاستقامة» (1/50_69).: «ثم إنهم صنفوا في أصول الفقه، وهو علم مشترك بين الفقهاء والمتكلمين، فبنوه على أصولهم الفاسدة، حتى أن أول مسألة منه، وهي الكلام في حد الفقه لما حدوه بأنه العلم بأحكام أفعال المكلفين الشرعية، أورد هؤلاء؛ كالقاضي أبي بكر، والرازي، والآمدي، ومن وافقهم من فقهاء الطوائف؛ كأبي الخطاب _ وغيره _ السؤال المشهور هنا، وهو أن الفقه من باب الظنون؛ لأنه مبني على الحكم بخبر الواحد، والقياس، والعموم، والظواهر، وهي إنما تفيد الظن، فكيف جعلتموه من العلم؛ حيث قلتم: العلم؟وأجابوا عن ذلك بأن الفقيه قد علم أنه إذا حصل له هذا الظن؛ وجب عليه العمل به؛ كما قال الرازي: (فإن قلت: الفقه من باب الظنون، فكيف جعلته علماً؟ قلت: المجتهد إذا غلب على ظ??ه مشاركة صورة لصورة في مناط الحكم؛ قطع بوجوب العلم بما أدى إليه ظنه، فالعلم حاصل قطعاً، والظن واقع في طريقه).وقد ظن طائفة من الفقهاء الناظرين في أصول الفقه أن هذا الجواب ضعيف؛ لقوله: (العلم حاصل قطعاً، والظن واقع في طريقه).قالوا: والحكم بالنتيجة يتبع أضعف المقدمات وأحسن المقدمات، فالموقوف على الظن أولى أن يكون ظنムًا.وليس الأمر كما توهموا؛ بل لم يفهموا كلام هؤلاء؛ فإن هذا الظن ليس هو عندهم دليل العلم بوجوب العلم به، ولا مقدمة من مقدمات دليله، ولكنهم يقولون: قامت الأدلة القطعية من النصوص والإجماع مثلاً على وجوب العلم بالظن الحاصل عن خبر الواحد والقياس، وذلك العلم حصل بأدلته المفيدة له، لم يحصل بهذا الظن ولا مقدماته.لكن التقدير: إذا حصل لك أيها المجتهد ظن؛ فعليك أن تعمل به، وحصول الظن في النفس وجدي، يجده المرء في نفسه ويحسه؛ كما يجد علمه ويحسه، فمعرفته بحصول الظن يقيني، ومعرفته بوجوب العمل به يقيني، فهاتان مقدمتان علميتان: إحداهما سمعية، والأخرى وجدية.وصار هذا كナا لو قيل له: إذا حصل لك مرض في الصوم أنه يجوز لك الفطر، وإذا حصل لك مرض يمنعك القيام في الصلاة؛ فاعلم أن عليك أن تصلي قاعداً، فإذا وجد المرض في نفسه؛ علم حينئذ حكم الله بإباحة الفطر، وبالصلاة قاعداً، فهكذا وجود الظن عندهم في نفس المجتهد.وإذا علم أن هذا حقيقة قولهم؛ تبين حينئذ فساد ما ذكروه من غير تلك الجهة، وهو أن هذا يقتضي ألا يكون الفقه إلا العلم بوجوب العمل بهذه الظنون والاعتقادات الحاصلة عن أمارات الفقه على اصطلاحهم.ومعلوم أن هذا العトم هو من أصول الفقه، وهو لا يخص مسألة دون مسألة، ولا فيه كلام في شيء من أحكام الأفعال؛ كالصلاة، والجهاد، والحدود _ وغير ذلك _، وهو أمر عام كلي، ليس هو الفقه باتفاق الناس كلهم؛ إذ الفقه يتضمن الأمر بهذه الأفعال، والنهي عنها إما علماً، وإما ظنًّا.فعلى قولهم: الفقه هو ظن وجوب هذه الأعمال، وظن التحريم، وظن الإباحة، وتلك الظنون هي التي دلت عليها هذه الأدلة التي يسمونها الأمارات؛ كخبر الواحد، والقياس، فإذا حصلت هذه الظنون؛ حصل الفقه عندهم.وأما وجوب العلم بهذا الظن؛ فذاك شيء آخر، وهذا الذي ذكروه إنما يصلح أن يذكر في جواب من يقول: كيف يسوغ لكم العمل بالظن؟ فهذا يورد في أصول الفقه في تقرير هذه الطريق، إذا قيل: إنها إنما تفيد الظن، قيل: وكيف يسوغ اتباع الظن مع الأدلة الشرعية على خلاف ذلテ؟فيقولون في الجواب: المتبع إنما هو الأدلة القطعية الموجبة للعمل بهذا الظن، والعامل بتلك الأدلة متبع للعلم لا للظن، أما أن يجعل نفس الفقه الذي هو علم ظنًّا؛ فهذا تبديل ظاهر، وأتباعهم الأذكياء تفطنوا لفساد هذا الجواب.وقد تجيب طائفة أخرى _ كأبي الخطاب وغيره _ عن هذا السؤال بأن العلم يتناول اليقين والاعتقاد الراجح؛ كقوله _ تعالى _: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) ، وأن تخصيص لفظ العلم بالقطعيات اصطلاح المتكلمين، والتعبير هو باللغة لا بالاصطلاح الخاص.والمقصود هنا ذكر أصلين؛ هما: بيان فساد قولهم: (الفقه من باب الظنون)، وبيان أنه أحق باسم العلم من الكلام الذي يدعون أنه علم، وأن طرق الفقه أحق بأن تسمى أدلة من طرق الكلام.والأصل الثاني: بيان أن غالب ما يتكلمون فيه من الأصول ليس بعلم ولا ظن صحيح؛ بل ظن فاسد، وجهل مركب.ويترتب على هذين الأصلين منع التكفير باختلافهم في مسائلهم، وأن التكفير في الأمور العملية الفقهية قد يكون أولى منه في مسائلهم.فنقول: الفقه: هو معرفة أحكام أفعال العباد؛ سواء كانت تلك المعرفة علماً أو ظنًّا _ أو نحو ذلك _.ومن المعلوم لمن تدبر الشريعة أن أحكام عامة أفعال العباد معلومة لا مظنونة، وأن الظن فيها إنما هو قليل جدًّا في بعض الحوادث لبعض المجتهدين، فأما غالب الأفعال _ مفادها وأحداثها _؛ فغالب أحكامها معلومة _ ولله الحمد _، وأعني بكونها معلومة أن العلم بها ممكن، وهو حاصل لمن اجتهد واستدل بالأدلة الشرعية عليها، لا أعني أن العلم بها حاصل لكل أحد؛ بل ولا لغالب المتفقهة المقلدين لأئمتهم؛ بل هؤلاء غالب ما عندهم ظن أو تقليد.إذ الرجل قد يكون يرى مذهب بعض الأئمة، وصار ينقل أقواله في تلك المسائل، وربما قربها بدليل ضعيف من قياس أو ظاهر، هذا إن كان فاضلاً، وإلا كفاه مجرد نقل المذهب عن قائله، إن كان حسن التصور، فهماً صادقاً، وإلا لم يكن عنده إلا حفظ حروفه، إن كان حافظاً، وإلا كان كاذباً، أو مدعياً، أو مخطئاً.ولا ريب أن الحاصل عند هؤلاء ليس بعلم؛ كما ᆪن العامة المقلدين للعلماء فيما يفتونهم؛ فإن الحاصل عندهم ليس علماً بذلك عن دليل يفيدهم القطع، وإن كان العالم عنده دليل يفيد القطع.وهذا الأصل الذي ذكرته أصل عظيم، فلا يصد المؤمن العليم عنه صاد؛ فإنه لكثرة التقليد والجهل والظنون في المنتسبين إلى الفقه والفتوى والقضاء؛ استطال عليهم أولئك المتكلمون، حتى أخرجوا الفقه _ الذي نجد فيه كل العلوم _ من أصل العلم لما رأوه من تقليد أصحابه وظنهم.ومما يوضح هذا الأصل أنه من العلوم أن الظنون غالباً إنما تكون في مسائل الاجتهاد والنزاع، فأما مسائل الإيمان والإجماع؛ فالعلم فيها أكثر قطعاً.وإذا كان كذلك؛ فمن المعلوم أن ナن أشهر ما تنازعت فيه الصحابة _ ومن بعدهم _ مسائل الفرائض؛ كما تنازعوا في الجد وفروعه، وفي الكلالة، وفي حجب الأم بأخوين، وفي العمريتين _ زوج وأبوان، وزوجة وأبوان _، وفي الجد هل يقوم مقام الأب في ذلك؟ وفي الأخوات مع البنات هل هي عصبة أم لا؟ وفيما إذا استكمل البنات الثلثين، وهناك ولد ابن؟ ونحو ذلك من المسائل التي يحفظ النزاع فيها عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وزيد، وابن عباس _ وغيرهم من الصحابة _.لكن أئمة هذا الباب خمسة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد، وابن عباس، وإذا كانوا تنازعوا في الفرائض أكثر من غيرها؛ فمن المعلوم أن عامّة أحكام الفرائض معلومة؛ بل منصوصة بالقرآن؛ فإن الذي يفتي الناس في الفرائض قد يقسم ألف فريضة منصوصة في القرآن مجمعاً عليها، حتى تنزل به واحدة مختلف فيها؛ بل قد تمضي عليه أحوال لا تجب في مسألة نزاع.وأما المسائل المنصوصة المجمع عليها؛ فالجواب فيها دائم بدوام الموتى، فكل من مات لا بد لميراثه من حكم، ولهذا لم يكن شيء من مسائل النزاع على عهد النبي× مع وجود الموت والفرائض دائماً، ومع أن كل من كان يموت على عهد النبي×؛ فإنه ما وضع قط مال ميت في بيت مال، ولا قسم بين المسلمين كما كان يقسم بينهم الفيء ومال المصالح.ولكن لما فتحت البلاد، وكثر أهل الإسلام في إمارة عمر؛ صار حينئذ يحدث اجتماع الجد والإخوة، فتكلموا في ذلك، وكذلك حدثت العمريتان، فتكلموا فيها.هذا مع أن علم الفرائض من علم الخاصة، حتى أن كثيراً من الفقهاء لا يعرفه، فهو عند العلماء به من علم الفقه اليقيني المقطوع به، وليس عند أكثر المنتسبين إلى العلم _ فضلاً عن العامة _ به علم ولا ظن، وذلك كالقضايا التجريبية في الطب؛ هي عند المجربين لها والعالمين بها من المجربين معلومة، وأكثر الخائضين في علوم أخر _ فضلاً عن العامة _ ليس عندهم علم ولا ظن.بل باب الحيض، الذي هو من أشكل الفقه في كتاب الطهارة، وفيه من الفروع والنزاع ما هو معلوم، ومع هذا أكثر الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال النساء في الحيض معلومة، ومن انتصᄄ ليفتي الناس؛ يفتيهم بأحكام معلومة متفق عليها مئة مرة، حتى يفتيهم بالظن مرة واحدة، وإن أكثر الناس لا يعلمون أحكام الحيض وما تنازع الفقهاء فيه من أقله وأكثره، وأكثر سنين الحيض وأقله، ومسائل المتحيرة، فهذا من أندر الموجود، ومتى توجد امرأة لا تحيض إلا يوماً، وإنما في ذلك حكايات قليلة جدًّا، مع العلم بأن عامة بنات آدم يحضن؛ كما قال النبي×: «إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم».وكذلك متى توجد في العالم امرأة تحيض خمسة عشر يوماً، أو تسعة عشر، أو امرأة مستحاضة دائماً، لا يعرف لها عادة، ولا يتميز الدم في ألوانه؛ بل الاستحاضة إذا وقعت؛ فغالب النسوة يكون تميزها وعادتヌا واحدة، والحكم في ذلك ثابت بالنصوص المتواترة عن النبي×، وباتفاق الفقهاء.ونحن ذكرنا في الموت الذي هو أمر لازم لكل أحد، وقل من يموت إلا وله شيء، وفي الحيض الذي هو أمر معتاد للنساء، وكذلك سائر الأجناس المعتادة؛ مثل النكاح وتوابعه، والبيوع وتوابعها، والعبادات، والجنايات.فإن قال قائل: مسائل الاجتهاد، والخ??اف في الفقه كثيرة جدًّا فيهذه الأبواب.قيل له: مسائل القطع، والنص، والإجماع بقدر تلك أضعافاً مضاعفة، وإنما كثرت لكثرة أعمال العباد وكثرة أنواعها؛ فإنها أكثر ما يعلمه الناس مفصلاً، ومتى كثر الشيء إلى هذا الحد؛ كان كل جزء منه كثيراً، من ينظرها مكتوبة؛ فトا يرتسم في نفسه إلا ذلك؛ كما يطالع تواريخ الناس والفتن، وهي متصلة في الخبر، فيرتسم في نفسه أن العالم ما زال ذلك فيه متواصلاً، والمكتوب شيء والواقع أشياء كثيرة، فكذلك أعمال العباد وأحكامها، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك.أما غير الخائض في الفقه في فنون أخرى؛ فظاهر، وأما الخائض فيه؛ فغالبهم إنما يعرف أحدهم مذهب إمامه، وقد يعلمه جملة، لا يميز بين المسائل القطعية المنصوصة والمجمع عليها، وبين مفاريده، أو ما شاع فيه الاجتهاد، فنجده يفتي بمساᆭل النصوص والإجماع من جنس فتياه بمسائل الاجتهاد والنزاع؛ بمنزلة حمار حمل سفراً ينقل نقلاً مجرداً، حتى أنه يحكى لأحدهم أن مذهب فلان بخلاف ذلك؛ فيسوغ ذلك، ويكون الخلاف في ذلك من الممتنعات بين الملل، فضلاً عن أن يختلف فيه المسلمون.وقد بلغني من ذلك عن أقوام مشهورين بالفتيا والقضاء، حتى حكوا لملك بلدهم أن من مذهب الشافعي أن المطلقة ثلاثاً تباح بالعقد الخالي عن الوطء، وصبيان الشافعية يعلمون أن هذا مما لم يختلف فيه مذهبه، وحتى يحكوا عن مالك أن المتعة عنده جائزة، وليس في المتبوعين أشد تحريماً لها منه ومن أصحابه، حتى أنه إذا وقت الطلاق عنده؛ ينجز؛ لئلا يصير النكاح مؤقتاً كنكاح المتعة.وأبلغ من ذلك: يحكون في بلادهم عن مالك حل اللواط، ويذكر ذلك لمن هو من أعيان مذهبه، فيقول: القرآن دل على تحريمه، ولا يمكنهم أن يكذبوا الناقل، ويقولوا: هذا حرام بالإجماع، مع أن العالم يعلم أن هذا حرام بإجماع المسلمين، واليهود، والنصارى، والمجوس، والصابئين، وأكثر المشركين، لم يستحله إلا قوم لوط، وبعض الزنادقة من بقية الطوائف، فلجهل هؤلاء _ وأمثالهم _ بالتمييز بين مسائل العلم والقطع، ومسائل الاجتهاد؛ التبس الأمر عليهم، فلم يمكنهم أن يحكموا في أكثر ما يفتي به أنه قطعي، وهو قطعي معلوم من الدين للعلماء بالدين.لكن هؤلاء ليسوا في الحقيقة فقヌاء في الدين؛ بل هم نقلة لكلام بعض العلماء ومذهبه، والفقه لا يكون إلا بفهم الأدلة الشرعية بأدلتها السمعية الثبوتية من الكتاب والسنة والإجماع نصًّا واستنباطاً.ولكن أولئك المتكلمون كان علم الفقه عندهم هو مسائل الحل والحرام، وشفعة الجوار، والجهر بالبسملة، وتثنية الإقامة وإفرادها، والجمع بين الصلاتين، وإزالة النجاسة، والقود بالمثل، وخيار المجلس والعوض بالعقد الفاسد، والإجارة، ونحو ذلك من المسائل التي شاع فيها النزاع، لا سيما وقد جرد بعد ??لمئة الثالثة مسائل الخلاف؛ جردها أبو بكر الصيرفي _ فيما يغلب على ظني _، واتبعه على ذلك الناس، حتى صنفوا كتباً كثيرة في ナسائل الخلاف فقط.واقتصر أكثر هؤلاء على ما اختلف فيه أبو حنيفة والشافعي.وأمهات المسائل التي جردوا القول فيها نحو أربع ナئة مسألة التي توجد في أمهات التعاليق، وكتب الخلاف التي صنفها الخراسانيون والعراقيون من الطوائف، وإن كانت مسائل الخلاف لمن استوعبها منهم؛ كالقاضي أبي يعلى، تنتهي إلى ألوف مؤلفة: إما أربعة آلاف، أو أقل أو أكثر، ولمن اقتصر على كبار كبارها تكون نحو مئة مسألة؛ كما فعل أبو محمد إسماعيل بن (؟؟؟) في تعليقه.وأما ذلك المقدار؛ فهو الذي يصفه أبو المعالي، وأبو إسحاق في خلافهما، والشريف أبو جعفر، وأسعد الميهني، والسمعاني _ ونحوهم _، ويصفه أبو الخطاب في «انتصاره»، وابن عقيل في «نظرياته»، وكذلك (ابن يساره، والعالمي)، ونحوهم من أصحاب أبي حنيفة، وإن كان في «عمد الأدلة» تبع شيخه القاضي في استيعاب ما في تعليق القاضي من هذه المسائل والنزاع فيها، وشهد أنها مسائل اجتهاد ظنية.واشتهار أصحابها بعلم الفقه هو من الشبهة التي أوجبت للمتكلمين، ولهؤلاء الفقهاء المختلفين، ولكثير من المفتين _ وغيرهم _ أن يجعلوا الفقه من باب الظنون والاجتهاد.ولهذا كان ظهور هذا القول مع ظهور مسائل الخلاف هذه، وذلك مع ظهور بدع كثيرة وتغير أمور الإسلام، وضعف الخلافة حتى استولى عليها الديالم، وظهر حينئذ من مذهب القرامطة، والباطنية، والرافضة، والمعتزلة ما عم أكثر الأرض، وأخذ من المسلمين كثير من ثغورهم الشامية _ وغيرها _، وانتشرت حينئذ بدع متكلمة الصفاتية _ وغハرهم _، وصار هذا الفقه من باب اتباع الظن وما تهوى الأنفس.وكذلك مال كثير من طلاب العلم إلى ما يظنونه علماً غير الفقيه إما الكلام وإما الفلسفة؛ فإن النفس تطلب ما هو علم، وتنفر مما هو شك وظن، وهذا محمود منها.وكان من سبب هذا أنهم تفقهوا لغير الدين، وذلك مما ذموا عليه.كما جاء ذلك في حديث رواه أبو هريرة، وعلي _ رضي الله عنهما _ يقول فيه النبي ×: «إذا اتخذ المال دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وتفقه لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعق ᆪمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، ورفعت الأصوات في المساجد، وأكرم الرجل مخافة شره، وساد القبيلة فاسقها، وكان زعيم القوم أرذلهم؛ فلينتظروا عند ذلك ريحاً حمراء، وفتناً تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع».وكان هذا ما هو من أشراط الساعة الوسطى من ظهور الجهل، ورفع العلم، وكثرة الزنا.فإنه قد ثبت في «الصحيح»، عن النبي×، أنه قد يريد بالساعة انخرام القرن، ووقوع شرور وبلاء يعذب به الناس، وإن كانت الساعة العامة هي قيام الناس من قبورهم، لكن الأول جاء في مثل قوله: «إن يستنفد هذا الغلام عمره؛ لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة»، يريد به انخرام ذلك القرن؛ كما إنه قد أراد بلفظ (القيامة) موت الإنسان؛ كما في قول المغيرة بن شعبة: (أيها الناس! إنكم تقولون: القيامة القيامة، وإنه من مات؛ فقد قامت قيامته).وترجم البغوي على ذلك في كتاب «المصابيح»: (باب: من مات؛ فقد قامت قيامته).لكن من الزنادقة الصابئة المتفلسفة _ كالسهروردي الحلبي المقتول وغيره _ من يظن ذلك هو القيامة التي وصفها الله في القرآن، ويجعل هذا اللفظ من كلام رسول الله ×، وليس الأمر كذلك.وإذا كان بسبب تقليد كثير من الفقهاء لأئمتهم، واتباعهم الظن؛ اشتبه ما يمكن علمه وما هو معلوم لفقهاء الدين وعلماء الشريعة بغيره، فكذلك نفس الأئمة المجتهدين لا ريب أنه قد يكون عند أحدهم ما هو مظنون _ بل مجهول _، وهو معلوم للآخر إما موافقاً له، وإما مخالفاً فيها أكثر المسائل الفقهية التي لا يعرف حكمها كثير من الأئمة، أو يتكلナ فيها بنوع من الظن مصيباً أو مخطئاً، وتكون معلومة لغيره بأدلة قطعية عنده وعند من علم كعلمه:تارة بنص اختص بسماعه من الرسول أو من غيره، وحصل له بذلك العلم لأسباب كثيرة في النقل، وهذا كثيراً ما يكون لعلماء الحديث؛ فإنهم يعلمون من النصوص، ويقطعون منها بأشياء كثيرة جدًّا، وغيرهم قد يكذب بها أو يجزم بكذبها، دع من يجهلها أو يشك فيها.وتارة بفهم النصوص ومعرفة دلالتها، فما أكثر من يجهل معنى النص أو يشك فيه، أو يفهم منه نقيضه، أو يذهل عنه، أو يعجز ذهنه عن دركه، ويكون الآخر قد فهم من ذلك النص، وعلم منه ما يقطع به.وتارة بإجماع علمه من إجماعات الصحابة _ وغيرها _.ثم بᄍد ذلك تارة بقياس قطعي.فإن القياس نوعان: قطعي وظني؛ كما في القياس الذي هو في معنى الأصل قطعاً؛ بحيث لا يكون بينهما فرق تأتي به الشريعة، أو يكون أولى بالحكم منه قطعاً.وتارة بتحقيق المناط، وهذا يعود إلى عود فهم معنى النص بأن يعرف ثبوت المناط الذي لا شك فيه في المعين، وغيره يشك في ذلك؛ كما يقطع الرجل في القصاص، وإبدال المتلفات بأن هذا أقرب إلى المثل والعدل من كذا، وغيره يشك فيه أو يعتقد خلافه _ وأمثال ذلك _» اهـ.

(2) القرآن كلام الله غير مخلوق

قال البيضاوي: «الحكم: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاءأو التخيير».أقول: هذه مسألة كلاナ الله _ عز وجل _، وكلام الشارحين والمحققين فيه اضطراب لا يعلمه إلا الله وحده، ويذكرون في هذا المقام القولين في كلام الله: قول المعتزلة أنه مخلوق، وقول الأشعرية أنه معنى قائم بالنفس، أزلي، ليس بأمر ولا نهي، ولا حرف، ولا صوت، والقرآن عبارة عنه، والقرآن مخلوق.وأما مذهب السلف الذي دلت عليه الآيات، والسنن، وأقوال الصحابة والتابعين: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وكلام الله _ عز وجل _ حرف وصوت يليق بذاته، وأنه حادث كسائر أفعاله الاختيارية من غضب ورضى، ومحبة وفرح، فهو يتكلم متى شاء، وقادر على الكلام أزلاً وأبداً _ سبحانه _، فنوع كلامه قديم، وكلامه متى شاء _ سبحانه _.هذا المذهب الذي يقبله صريح العقل، ويشهد له صحيح النقل، وقد فصل شيخ الإسلام هذا المذهب، وأنه إجماع السلف عليه بما لو جمع؛ لجاء مجلدات.والنقل يخرج عن المقصود في هذه الحاشية المختصرة، فانظر المجلد الخامس من «الفتاوى الكبرى»، فكله في هذه المسألة، وغير ذلك مما هو موجود في «مجموع الفتاوى»، و«درء التعارض»، و«منهاج السنة»، وغيرها من الرسائل المفردة.والله الهادي إلى سواء السبيل.

(3) المقصود من الحد هو التمييز لا التصوير

قال البيضاوي: «ويرسم الواجب بأنه الذي يذم شرعاً تاركه…».أقول: الذي جرى عليه متأخرو الأصوليين بعد أبي حامد الغزالي اعتماᆵ المنطق اليوناني في علم أصول الفقه _ ونحوه _.ومقصدنا _ هنا _ التعريف، فإن المنطقيين يقولون: إن تعريف الشيء يكون بتصويره، وجعلوا المعرفات خمسة: الحد التام، والحد الناقص، والرسم التام، والرسم الناقص، وتبديل لفظ بأشهر منه.وقد ذكر الإسنوي _ وغيره _ الأمثلة على ذلك، وهنا عرف المصنف الواجب بالرسم، وشيخ الإسلام، ومعه جمهور من الأئمة المحققين، يقولون: إن المقصود من الحد هو التمييز، وليس التصوير، فبأي شيء يتميز المحدود عنه، وبأي علامة تميزه عما سواه؛ فقد حصل مقصود التعريف.وقد كتب _ رحمه الله _ في نقد المنطق اليوناني مصنفاً جليل القدر، وقرر فيه ما قدمته:قال _ رحمヌ الله _ «الرد على المنطقيين» (14_15).: «وأما المقام الثاني _ المقام الإيجابي في الحدود والتصورات _، وهو أنه هل يمكن تصور الأشياء بالحدود؟فيقال: المحققون من النظار يعلمون أن الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره؛ كالاسم، ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته، وإنما يدعي هذا أهل المنطق اليوناني، أتباع أرسطو، ومن سلك سبيلهم، وحذا حذوهم تقليداً لهم من الإسلاميين _ وغيرهم _، فأما جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين _ وغيرهم _؛ فعلى خلاف هذا.وإنما دخل هذا في كلام من تكلم في أصول الدين والفقه بعد أبي حامد في أواخر المئة الخامسة، وأوائل المئة السادسة؛ فإن أبا حامد وضع مقدمة منطقية في أول «المستصفى»، وزعم أن من لم يحط بها علماً؛ فلا ثقة له بشيء من علومه، وصنف في ذلك «محك النظر»، و«معيار العلم»، ودواماً اشتدت به ثقته، وأعجب من ذلك أنه وضع كتاباً سماه «القسطاس المستقيم»، ونسبه إلى أنه تعلمه من الأنبياء، وإنما تعلمه من ابن سينا، وابن سينا تعلمه من كتب أرسطو، وهؤلاء الذين تكلموا في الأصول بعد أبي حامد هم الذين تكلموا في الحدود بطريقة أهل المنطق اليوناني.وأما سائر طوائف النظار من جميع الطوائف _ المعتزトة، والأشعرية، والكرامية، والشيعة، وغيرهم ممن صنف في هذا الشأن من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم _؛ فعندهم إنما تفيد الحدود اトتمييز بين المحدود وغيره؛ بل أكثرهم لا يسوغون الحد إلا بما يميز المحدود عن غيره، ولا يجوزون أن يذكر في الحد ما يعم المحدود وغيره؛ سواء سمي جنساً، أو عرضاً تامًّا، وإنما يحدون بما يلازم المحدود طرداً وعكساً، ولا فرق عندهم بين ما يسمى (فصلاً) و(خاصة)، ونحو ذلك مما يتميز به المحدود من غيره.وهذا مشهور في كتب أهل النظر في مواضع يطول وصفها من كتب المتكلمين من أهل الإثبات وغيرهم؛ كأبي الحسن الأشعري، والقاضي أبي بكر، وأبي إسحاق، وأبي بكر بن فورك، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وأبي المعالي الجويني، وأبي الميمون النسفي الحنفي _ وغيرهم _، وقبلهم: أبو علي، وأبو هاشم، وعبد الجبار _ وأمثالهم من شيوخ المعتزلة _، وكذلك ابن النوبخت، والموسوي، والطوسي _ وغيرهم من شيوخ الشيعة _، وكذلك محمد بن الهيصم _ وغيره من شيوخ الكرامية _؛ فإنهم إذا تكلموا في الحد؛ قالوا: إن حد الشيء وحقيقته خاصته التي تميزه» اهـ.

(4) التحسين والتقبيح

قال البيضاوي: «الثاني: ما نهي عنه شرعاً فقبيح، وإلا فحسن؛ كالواجب والمندوب والمباح وفعل غير المكلف».وقوله _ أيضاً _: «الثالث: قيل: الحكم إما سبب أو مسبب…» إلى آخر كلامه _ رحمه الトه _.أقول: هذا مذهب للأشعرية مشهور، وهو نفي التحسين، والتقبيح، والعلل، والأسباب، والحكم.وهو مذهب مردود، مأخوذ من الجهمية، وقد تكرر رد شيخ الإسلام لهذا المذهب، وبيان الحق الصريح بوقوع التحسين والتقبيح في الأفعال، والأوامر والنواهي، وكل ذلك راجع إلى حكمة الله، ومحبته، ورضاه لما يأمر به من حسن الأعمال _ كالإيمان، والعدل، والصدق _، وبغض للفواحش _ من ظلم وكفر وكذب، ونحوه _.وقد قيد شيخ الإسلام هذا المذهب في مواضع عديدة من كتبه مطولاً ومختصراً في مسائل القضاء والقدر، والنبوات؛ لتعلق هذه المسألة بها جميعاً.وهذا فصل مختصر جامع في بيان حقيقة هذه المسألة الجليトة، وتلخيص الحق فيها:قال _ رحمه الله _ «مجموع الفتاوى» (17/198).:« (فصل): والناس في هذا المقام _ وهو مقام حكمة الأمر والنهي _ على ثلاثة أصناف:فالمعتزلة القدرية يقولون: إن ما أمر به ونهى عنه كان حسناً وقبيحاً قبل الأمر والنهي والأمر، والنهي كاشف عن صفته التي كان عليها لا يكسبه حسناً ولا قبحاً، ولا يجوز عندهم أن يأمر وينهى لحكمة تنشأ من الأمر نفسه.ولهذا أنكروا جواز النسخ قبل التمكن من فعل العبادة؛ كما في قصة الذبيح، ونسخ الخمسين صلاة التي أمر بها ليلة المعراج إلى خمس، ووافقهم على منع النسخ قبل وقت العبادة طائفة من أهل السنة المثبتين للقدر؛ لظنهم أنه لا بد من حكمة تكون في المأمور به وال??نهي عنه، فلا يجوز أن ينهى عن نفس ما أمر به.وهذا قياس من يقول: إن النسخ تخصيص في الأزمان؛ فإن التخصيص لᄃ يكون برفع جميع مدلول اللفظ، لكنهم تناقضوا.والجهمية الجبرية يقولون: ليس للأمر حكمة تنشأ؛ لا من نفس الأمر، ولا من نفس المأمور به، ولا يخلق الله شيئاً لحكمة، ولكن نفس المشيئة أوجبت وقوع ما وقع وتخصيص أحد المتماثلين بلا مخصص، وليست الحسنات سبباً للثواب، ولا السيئات سبباً للعقاب، ولا لواحد منهما صفة صار بها حسنة وسيئة؛ بل لا معنى للحسنة إلا مجرد تعلق الأمر بها، ولا معنى للسيئة إلا مجرد تعلق النهي بها، فيجوز أن يأمر بكل أمر حتى الكفر والفسوق والعصيان، ويجوز أن ينهي عن كل أمر حتى عن التوحيد والصدق والعدل، وهو لو فعل؛ لكان كما لو أمر بالتوحيد والصدق والعدل، ونهى عن الشرك والكذب والظلم، هكذا يقول بعضهم.وبعضهم يقول: يجوز الأمر بكل ما لا ينافي معرفة الأمر، بخلاف ما ينافي معرفته، وليس في الوجود عندهم سبب، ولكن إذا اقترن أحد الشيئين بالآخر خلقاً أو شرعاً؛ صار علامة عليه، فالأعمال مجرد علامات محضة لا أسباب مقتضية.وقالوا: أمر من لم يؤمن بالإيمان معناه: إني أريد أن أعذبكم، وعدم إيمانكم علامة على العذاب.وكذلك أمره بالإيمان من علم أنه يؤمن معناه: إني أريد أن أثيبك،والإيمان علامة.وهؤلاء منهم من ينفي القياس في الشرع والتعليل للأحكام، ومن أثبت القياس منهم؛ لم يجعل العلل إلا مجرد علامات.ثم إنه مع هذا قد علم أن الحكم فハ الأصل ثابت بالنص والإجماع، وذلك دليل عليه، فأي حاجة إلى العلة؟! وكيف يتصور أن تكون العلة علامة على الحكم في الأصل، وإنما تطلب علته بعد أن يعلم ثبوت الحكم وحينئذ فلا فائدة في العلامة؟!وأما الفرع؛ فلا يكون علة له حتى يكون علة للأصل، وهؤلاء منهم من ينكر العلل المناسبة، ويقول: المناسبة ليست طريقاً لمعرفة العلل، وهم أكثر أصحاب هذا القول.ومن قال بالمناسبة من متأخريهم يقول: إنه قد اعتبر في الشرع اعتبار المناسب، فيستدل بمجرد الاقتران لا لأن الشارع حكم بما حكم به لتحصيل المصلحة المطلوبة بالحكم، ولا لدفع مفسدة أصلاً؛ فإن عندهم أنه ليس في خلقه ولا أمره لام (كي).فجهم – رأس الجبرية – وأتباعه في طرف، والقدرية في الطرف الآخر.وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة الإسلام؛ كالفقهاء المشهورين _ وغيرهم _، ومن سلك سبيلهم من أهل الفقه والحديث والمتكلمين في أصول الدين وأصول الفقه؛ فيقرون بالقدر، ويقرون بالشرع، ويقرون بالحكمة لله في خلقه وأمره _ لكن قد يعرف أحدهم الحكمة، وقد لا يعرفها _، ويقرون بما جعله من الأسباب، وما في خلقه وأمره من المصالح التي جعلها رحمة بعباده مع أنه خالق كل شيء وربه ومليكه _ أفعال العباد وغير أفعال العباد _، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن كل ما وقع من خلقه وأمره فعدل وحكمة؛ سواء عرف العبد وجه ذلك أネ لم يعرفه.

والحكمة الناشئة من الأمر ثلاثة أنواع

أحدها: أن تكون في نفس الفعل وإن لم يؤمر به؛ كما في الصدق والعدل _ ونحوهما _ من المصالح الحاصلة لمن فعل ذلك وإن لم يؤمر به، والله يأمر بالصلاح وينهى عن الفساد.والنوع الثاني: أن ما أمر به ونهى عنه صار متصفاً بحسنٍ اكتسبه من الأمر، وقبحٍ اكتسبه من النهي؛ كالخمر التي كانت لم تحرم، ثم حرمت، فصارت خبيثة، والصلاة إلى الصخرة التي كانت حسنة، فلما نهى عنها؛ صارت قبيحة؛ فإن ما أمر ᄄه يحبه ويرضاه، وما نهى عنه يبغضه ويسخطه، وهو إذا أحب عبداً ووالاه؛ أعطاه من الصفات الحسنة ما يمتاز بها على من أبغضه وعاداه، ネكذلك المكان والزمان الذي يحبه ويعظمه _ كالكعبة وشهر رمضان _، يخصه بصفات يميزه بها على ما سواه بحيث يحصل في ذلك الزمان والمكان من رحمته وإحسانه ونعمته ما لا يحصل في غيره.فإن قيل: الخمر قبل التحريم وبعده سواء، فتخصيصها بالخبث بعد التحريم ترجيح بلا مرجح.قيل: ليس كذلك؛ بل إنما حرمها في الوقت الذي كانت الحكمة تقتضي تحريمها، وليس معنى كون الشيء حسناً وسيئاً مثل كونه أسود وأبيض؛ بل هو من جنس كونه نافعاً وضارًّا، وملائماً ومنافراً، وصديقاً وعدوًّا، ونحو هذا من الصفات القائمة بالموصوف التي تتغير بتغير الأحوال؛ فقد يكون الشيء نافعاً في وقت ضارًّا في وقت، والشيء اトضار قد يترك تحريمه إذا كانت مفسدة التحريم أرجح؛ كما لو حرمت الخمر في أول الإسلام؛ فإن النفوس كانت قد اعتادتها عادة شديدة، ولم يكن حصل عندهم من قوة الإيمان ما يقبلون ذلك التحريم، ولا كان إيمانهم ودينهم تامًّا حتى لم يبق فيه نقص إلا ما يحصل بشرب الخمر من صدها عن ذكر الله وعن الصلاة، فلهذا وقع التدريج في تحريمها، فأنزل الله أولاً فيها: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِᆱْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)، ثم أنزل فيها _ لما شربها طائفة، وصلوا، فغلط الإمام في القراءة _ آية النهي عن الصلاة سكارى، ثم أنزل الله آية التحريم.والنوع الثالث: أن تكون الحكمة ناشئة من نفس الأمر، وليس في الفعل البتة مصلحة، لكن المقصود ابتلاء العبد: هل يطيع أو يعصي، فإذا اعتقد الوجوب، وعزم على الفعل؛ حصل المقصود بالأمر، فينسخ حينئذ؛ كما جرى للخليل في قصة الذبح؛ فإنه لم يكن الذبح مصلحة، ولا كان هو مطلوب الرب في نفس الأمر؛ بل كان مراد الرب ابتلاء إبراهيم ليقدم طاعة ربه ومحبته على محبة الولد، ولا يبقى في قلبه التفات إلى غير الله؛ فإنه كان يحب الولد محبة شديدة، وكان قد سأل الله أن يهبه إياه _ وهو خليل الله _، فأراد تعالى تكميل خلته لله بأن لا يبقى في قلبه ما يزاحم به محبة ربه: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106))، ومثل هذا الحديث الذي في «صحيح البخاري»: حديث أبرص وأقرع وأعمى، كان المقصود ابتلاءهم لا نفس الفعل.وهذا الوجه والذي قبله مما خفي على المعتزلة، فلم يعرفوا وجه الحكمة الناشئة من الأمر، ولا من المأمور لتعلق الأمر به؛ بل لم يعرفوا إلا الأول، والذين أنكروا الحكمة عندهم الجميع سواء لا يعتبرون حكمة، ولا تخصيص فعل بأمر، ولا غير ذلك _ كما قد عرف من أصلهم _.ثم إن كثيراً ナن هؤلاء وهؤلاء يتكلمون في تفسير القرآن، والحديث، والفقه، فيبنون على تلك الأصول التي لهم، ولا يعرف حقائق أقوالهم إلا من عرف مأخذهم؛ فقول القائل: إن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، وفاتحة الكتاب قد تكون كل واحدة منهما في نفسها مماثلة لسائر السور، وآية الكرسي مماثلة لسائر الآيات، وإنما خصت بكثرة ثواب قارئها، أو لم تتعين الفاتحة في الصلاة _ ونحو ذلك _؛ إلا لمحض المشيئة من غير أن يكون فيها صفة تقتضي التخصيص هو مبني على أصول جهم في الخلق والأمر ネإن كان وافقه عليه أبو الحسن _ وغيره _، وكتب السنة المعروفة التي فيها آثار السلف يذكر فيها هذا وهذا، ويجعل هذا القول قول الجبريᄅ المتبعين لجهم في أقوال القدرية الجبرية المبتدعة، والسلف كانوا ينكرون قول الجبرية الجهمية كما ينكرون قول المعتزلة القدرية، وهذا معروف عن سفيان الثوري، والأوزاعي، والزبيدي، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل _ وغيرهم _، وقد ذكر ذلك غير واحد من أتباع الأئمة من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية _ وسائر أهل السنة _ في كتبهم؛ كما قد بسط في مواضعه، وذكرت أقوال السلف والأئمة في ذلك.وإنما نبهنا هنا على الأصل؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرف ذلك، ولا يظن قول أهل السنة في القدر إلا القول الذي هو عند أهل السنة قول جهم وأتباعه المجبرة، أو ما يشبه ذلك؛ كما أن منهم من يظن أن قول أهل السنة في مسائل الأسماء، والأحكام، والوعد، والوعيد هو _ أيضاً _ القول المعروف عند أهل السنة بقول جهم، وهذا يعرفه من يعرف أقوال الصحابة، والتابعين، وأئمة الإسلام المشهورين في هذه الأصول، وذلك موجود في الكتب المصنفة التي فيها أقوال جمهور الأئمة التي يذكر فيها أقوالهم في الفقه كثيراً، والعلماء الأكابر من أتباع الأئمة الأربعة على مذهب السلف في ذلك، وكثير من الكتب المصنفة التي يذكر فيها أقوال السلف على وجه الاتباع من تصنيف ᆪصحاب مالك والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل _ وغيرهم _ يذكرون ذلك فيها.وينبغي للعاقل أن يعرف أن مثل هذه المسائل العظيمة الᆰي هي من أعظم مسائل الدين لم يكن السلف جاهلين بها ولا معرضين عنها؛ بل من لم يعرف ما قالوه؛ فهو الجاهل بالحق فيها، وبأقوال السلف، وبما دل عليه الكتاب والسنة والصواب في جميع مسائل النزاع ما كان عليه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقولهم هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والعقل الصريح، وقد بسط هذا في مواضع كثيرة _ والله سبحانه أعلم _» اهـ.

(5) ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

قال البيضاوي: «الفصل الثالث: في أحكامه: وفハه مسائل: الأولى: الوجوب قد يتعلق بمعين، وقد يتعلق بمبهم من أمور معينة؛ كخصال الكفارة…» إلى آخر كلامه.ثم قال: «الرابعة: وجوب الشيء مطلقاً يوجب وجوب ما لا يتم إلا به، وكان مقدوراً…».ثم قال: «الخامسة: وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه؛ لأنه جزؤه، والدال عليه يدل عليه بالتضمن…».ثم قال: «السابعة: الواجب لا يجوز تركه، قال الكعبي: (فعل المباح ترك الحرام)، وهو واجب، قلنا: لا؛ بل به يحصل».أقول: هذه المسائل الأربعة من باب واحد، وقد كثر اضطراب الشراح فيها، ولشيخ الإسلام فيها تحقيق؛ خلاصته: رجوع اللزوم في هذه المسائل إلى اللزوم العقلي، وأن الواجب إذا استلزم وجوب شيء آخر، أو ترك شي؛ فهذا الواجب والمتروك تبعاً، وإن كان لا يتم الواجب إلا به، فلا حساب ولا عقاب إلا على الواجب المنصوص، أما اللازم؛ فليس كذلك؛ لأنه ليس مقصوداً بالذات، وإنما لزومه عقلي، فانظر تفصيل شيخ الإسلام _ رحمه الله _؛ فإنه جامع في هذا الباب، نافع:قال _ رحمه الله _ «درء التعارض» (1/211).: «ولهذا تنازع الناس في الأمر بالشيء: هل يكون أمراً بلوازمه؟ وهل يكون نهياً عن ضده؟ مع اتفاقهم على أن فعل المأمور لا يكون إلا مع فعل لوازمه وترك ضده.ومنشأ النزاع أن الآمر بالفعل قد لا يكون مقصوده اللوازم، ولا ترك الضد، ولهذا إذا عاقب المكلف لا يعاقبه إلا على ترك المأمور فقط، لا يعاقبه على ترك لوازمه وفعل ضده.وهذه المسألة هي الملقبة بأن ما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب.وقد غلط فيها بعض الناس، فقسموا ذلك إلى ما يقدر المكلف عليه؛ كالصحة في الأعضاء، والعدد في الجمعة، ونحو ذلك مما لا يكون قادراً على تحصيله، وإلى ما يقدر عليه؛ كقطع المسافة إلى الحج، وغسل جزء من الرأس في الوضوء، وإمساك جزء من الليل في الصيام _ ونحو ذلك _.فقالوا: ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدوراً؛ فهو واجب.وهذا التقسيم خطأ؛ فإن هذه الأمور التي ذكروها هي شرط في الوجوب، فلا يتم الوجوب إلا بها، وما لا يتم الوجوب إلا به لا يجب على العبد فعله باتفاق المسلمين؛ سواء كاニ مقدوراً عليه أو لا؛ كالاستطاعة في الحج، واكتساب نصاب الزكاة؛ فإن العبد إذا كان مستطيعاً للحج؛ وجب عليه الحج، وإذا كان مالكاً トنصاب الزكاة؛ وجبت عليه الزكاة، فالوجوب لا يتم إلا بذلك، فلا يجب عليه تحصيل استطاعة الحج، ولا ملك النصاب.ولهذا من يقول: إن الاستطاعة في الحج ملك المال؛ كما هو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، فلا يوجبون عليه اكتساب المال، ولم يتنازعوا إلا فيما إذا بذلت له الاستطاعة: إما بذل الحج، وإما بذل المال له من ولده، وفيه نزاع معروف في مذهب الشافعي وأحمد، ولكن المشهور من مذهب أحمد عدم الوجوب، وإنما أوجبه طائفة من أصحابه؛ لكون الأب له على أصله أن يتملك مال ولده، فيك

العلامة التجارية

العلامة التجارية

دار الفاروق للاستثمارات الثقافية

دار الفاروق للاستثمارات الثقافية

مراجعات (0)

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “كتاب التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top