هذا كتاب لطيف موجز كنت أهم من منذ زمان بعيد أن أضعه ، وذلك لأني رأيت المعاصرين قد غلوا في إطلاق مصطلح المدرسة في الكلام على الإختلاف بين البصريين والكوفيين . لقد بدا لي أن الإختلاف بين البصريين والكوفيين كالإختلاف بين بصري وبصري ، وكوفي وكوفي في بعض الأحيان .لقد وافق جماعة من البصريين الكوفيين في بعض مسائلهم كما وافق غير واحد من الكوفيين البصريين فيما ذهبوا إليه . ثم إن المواد تتصل بالفروع من الدرس النحوي كما سنبسط ذلك فيما أثبتاه في كتابنا هذا .

المقدمةما أظن أن أبا عثمان أصبح قريباً منا على كثرة ما قيل فيه طوال العصور ، ذلك إن مادة الكلام عليه واسعة أيما سعة ، فأنت واجد فيه كلما قرأت له شيئاً جديداً .قالوا إن كتب الجاحظ تعلم العقل ، وأنا أرى أن هذه العبارة على صدقها و وجاهتها معوزة إلى أشياء أخرى . هي معوزة من حيث أنها موجزة أيما إيجاز فأنت ممتحن كل يوم بأصالته وعبقريته ، وأنه يدلك على شيء بل أشياء خفيت على الأقدمين ، كما يكشف لعينيك صفحات لم يدركها العلم إلا في عصرنا هذا . الا ترى أن جملة صالحة من فوائد علم اللغة الحديث تلمسها في أدب الجاحظ وعلمه وأنت تقرأ « البيان ، أو تستجلي ( الحيوان ، أو تنظر هنا وهناك في رسائله الكثيرة ؟وقد يأخذك أن « البخلاء » كتاب ظرف وأدب ومتعة ، ولكنك ترجع عن هذا الرأي الفطير لتقر أن فيه من علم الاجتماع الكثير من الفكر النير والعلم الجديد.ولست أريد أن أدرك في هذه المقدمة ، وأنا أستطلع في ذهني ما قرأت من كتبه مما هو مطبوع منذ قرن من الزمان حتى يومنا هذا ، أن آتي على العبقرية والأصالة في تراث أبي عثمان ، وأنا أمر عليه مرور العجلان ، ذلك مطلب لو علمت عسير .وأنا وقد شغلت نفسي بهذا الجهد ، فلا بد أن أهدي القارىء إلى أني في هذا العمل المعجمي قد قصدت طوائف معينة من الكلم هي ١ اللفظ القديم الذي ذكره الجاحظ وعفى عليه الزمان في عصرنا وهو مفيد لو أنا أحسنا إحياءه .

من أحدث الدراسات التي حاولت أن تبرز بعض سمات الخطاب الشعري عند المتنبي دراسة الشاعر والباحث الدكتور إبراهيم السامرائيّ الموسومة بـ (( في مجلس أبي الطيّب المتنبي)) . وتأتى هذه الدراسة عبر سجال نقديّ يديره السامرائيّ، مستحضراً أبا الطيّب المتنبي، وشخصية أخرى لتحاوره، ويطلق عليها أبا الندى، ويجلس الثلاثة جلسة شعرية ليتحاوروا حواراً قوامه شعر المتنبيّ، وموضوعات هذا الشعر. يحتدم الحوار تارة، ويبدو ودياّ حميماً تارة أخرى، يهدف في النهاية إلى تقديم شعر المتنبي بنزعاته الإنسانيّة حيناً، والمتعالية على غيرها حيناً آخر. يقول السامرائي (( وها أنا أعود إلى شعره باحثاً أتفقّد فيه حاجة تقيم صلة جديدة ليست صداقة ولا عداوة، ولكنّها صلة الإنسان بالإنسان يعاشره فتنعقد بينهما وشيجة رحم مادتها الإنسان . وسأجعل هذه الصلة بيننا قائمة أسأل منها أبا الطيب مستحضراً ما قاله في شعره فألتمس الجواب فيه . وستكون هذه الصلة في مجالس يحضرها أبو الندى يتلو شعر المتنبي، وأنا أسمع فأسأل أبا الطيب فينعقد الحوار. وقد يكون الأمر في غير حوار فيبدي أحدنا ما يراه ويعرضه إلى صاحبه بين يدي أبي الطيب ، فإمّا أن يوافق أبو الطيب على ما رأينا وإمّا أن يكون منه موقف خاص.)).

 لم تنل سامراء في العصور الإسلامية الكثير من عناية أهل العلم ، وكان من الحق أن يتم شيء من هذا ، وذلك أن هذة المدينة كانت عاصمة الخلافة الإسلامية طوال نصف قرن ، وأنها كانت من مراكز العلم مثل دمشق وبغداد والقاهرة وغيرها .